وئام بدرخان
تُعدّ وئام بدرخان واحدة من أبرز الوجوه السينمائية
التي خرجت من مدينة حمص خلال سنوات الحرب، حيث استطاعت أن تحوّل تجربتها الشخصية
وتفاصيل الحصار الذي عاشته المدينة إلى مادة بصرية مؤثرة ما زالت تلقى صدى واسعًا حتى
اليوم. وئام، المخرجة والكاتبة والمصوّرة، لم تكتف برصد الأحداث؛ بل حملت كاميرتها
داخل الأحياء المدمّرة لتوثّق حياة الناس اليومية، وتحاول أن تحفظ الذاكرة الحمصية
من النسيان.
اكتسبت بدرخان شهرة كبيرة بعد مشاركتها في إنجاز
الفيلم الوثائقي الشهير «ماء
الفضة، صورة ذاتية عن سوريا»، الذي شاركت في إخراجه إلى جانب المخرج أسامة محمد. الفيلم قدّم
صورة حميمة عن حصار حمص، مستندًا بشكل أساسي إلى المقاطع التي كانت وئام تصوّرها
بكاميرتها الصغيرة من قلب المدينة. من خلال هذه اللقطات، استطاعت أن تُظهر
التفاصيل التي لم تصل للإعلام التقليدي: الخوف، الأمل، العلاقات الإنسانية،
ومحاولات السكان المستمرة للبقاء رغم كل الظروف.
لم تكن وئام مجرد مخرجة توثّق ما يجري حولها؛ بل كانت
جزءًا من القصة. عاشت الحصار يومًا بيوم، وكانت تتنقّل بين الأبنية المهدّمة، تجمع
الحكايات والوجوه، وتحوّلها إلى مادة فنية تعبّر عن صمود أهل حمص. كثيرًا ما تحدثت
في مقابلاتها عن أنها لم تتعلم التصوير في بيئة أكاديمية، بل داخل الأزمة نفسها،
وأن الكاميرا كانت وسيلتها الوحيدة لقول الحقيقة في وقت كان الوصول للمعلومات فيه
صعبًا وخطيرًا.
تتميّز بدرخان بحسّها الإنساني العالي، إذ تركّز في
أعمالها على الناس قبل الأحداث. فبينما حملت الحرب معها الكثير من الألم، اختارت
أن تبرز الجانب الإنساني الذي بقي حيًا: ضحكات الأطفال، التعاون بين الجيران،
والقدرة العجيبة لأهل حمص على إعادة بناء الحياة رغم الخراب. هذا الأسلوب جعل
أعمالها مرجعًا بصريًا مهمًا لكل من يريد فهم ما عاشته المدينة.
في النهاية، تُعدّ وئام بدرخان نموذجًا لامرأة حمصية
استطاعت أن تحوّل معاناة مدينتها إلى عمل فني يحمل رسالة قوية. قصتها ليست مجرد
تجربة شخصية، بل هي جزء من قصة حمص نفسها — مدينة قاومت، وصمدت، وما زالت تُروى حكايتها عبر
العدسات والسطور.
Leave a Reply
Your email address will not be published. Required fields are marked *





